الفرزدق (15 - 114هـ ، 636 - 732م). همَّام ابن غالب بن صعصعة بن ناجية بن عقال، من دارم من بني تميم، وأمه لِينة بنت قرظة الضَّبيَّة. شاعر عربي من قبيلة تميم انقادت له ولزميليه جرير والأخطل زعامة الشعر في العصر الأموي. نشأ في بيت شرف وسؤدد لاتُدْفع مآثره، وكان لذلك أثر شديد في نفسيته، إذ كان يعتدُّ بآبائه اعتدادًا شديدًا، وكذلك يفخر بعشيرته بني دارم وقبيلته تميم. وقد غلب عليه لقب الفرزدق، وهو الخبزة الغليظة التي تَّتخذ منها النساء الفتوت.
كان شديد الاعتزاز بآبائه حتى أولئك الذين عاشوا في العصر الجاهلي وكذا بأيام قومه، وقد كان منذ نشأته قوي البيان محبًا للخصومات، يهجو من حوله من قومه ومن غيرهم، حتى قاده حبه للخصومة إلى أرض المعركة بينه وبين ندِّه جرير. فاشتعلت بينهما معركة النقائض. انظر: النقائض. فصال الفرزدق فيها وأشعلها حربًا لا هوادة فيها على خصمه، واتخذ من نسبه ومكانة عشيرته سلاحه الذي يشْهره في وجه جرير فيدفعه إلى مضايق الطرق. وقد اشتبك من أجل ذلك مع كثير من الشعراء، هجاهم وهجا قبائلهم، كما كانت علاقته في أول شبابه مع الولاة غير محمودة، مما اضطره إلى ترك العراق إلى المدينة المنورة. واستمرت علاقاته غير محمودة حتى آخر أيامه، وقد حُبِس في عهد هشام بن عبدالملك.
ثقف الفرزدق بثقافة العصر وحضر مجالس الحسن البصري، فكان شعره شديد التأثر بلغة الوعاظ. وقد عُد الفرزدق أحد مصادر اللغة حتى قيل: لولا شعره لذهب ثلث اللغة.
ودارت أشعاره في كتب اللغة وعلى ألسنة النحاة، كما أن شعره مصدر من مصادر كتب التاريخ لكثرة حديثه عن أيام العرب وعن مناقبهم ومثالبهم وأنسابهم. ولا يقتصر شعره على ذلك، بل إنه يسجل أحداث الخوارج وأحداث خراسان في عصره. رثاه خصمه القديم جرير في قصيدتين من أجمل المراثي.
وضعه ابن سلام في الطبقة الأولى من شعراء الإسلام. وقد حفل ديوان الشعر العربي بكثير من أبياته التى صارت مضربًا للمثل والاستشهاد، من ذلك قوله يفخر:
وكنا إذا الجبار صعّر خده ضربناه حتى تستقيم الأخادع
أو قوله:
ترى الناس ماسرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أومأنا إلى الناس وقَّفوا
أو قوله يصور ندمه حين طَلّق زوجه النوار:
ندمت ندامة الكُسَعيّ لما غدت منِّي مطلقةً نَوار
وكانت جنتي فخرجت منها كآدم حين أخرجه الضِّرار
وقد نالت نقيضته اللامية شهرة واسعة في دنيا النقائض حيث يقول:
إن الذي سمك السماء بنى لنا بيتًا دعائمه أعزُّ وأطول
بيت بناه لنا المليك ومابنى حكم السماء فإنّه لاينقل
حُللُ الملوك لباسُنا في أهلنا والسابغات لدى الوغى نتَسَربلُ
أحلامنا تزنُ الجبال رزانة وتخالنا جنَّا إذا ما نَجْهَلُ
فادفع بكفِّكِ ـ إن أردت بناءَنا ـ ثهلان ذا الهضبات هل يَتَخلْخَلُ