الشعر النَّـبَطي. شعر عربي ملحون، خرج على سنن العرب في كلامهم، حافل بالأصوات والمفردات والتراكيب الشعبية الدارجة. وهو أشهر أنواع الشعر غير الفصيح وأكثره انتشارًا في شمال الجزيرة وعلى ألسنة سكانها. وقد سمي بالنبطي تشبيهًا له بكلام النبط لخروجه عن سنن العربية فكأنه كلام النبط الذي يلحنون به ولايقيمون إعرابه.
وقد انتشر هذا النوع من الشعر في الجزيرة العربية منذ قرون بعيدة وبدأ نظمه على ألسنة الشعراء البارعين في جميع الأحوال. وإذا كان صفي الدين الحلي (ت 750هـ) وابن خلدون (ت 808هـ) قد ذكرا أنواعًا من الشعر غير الفصيح وذكرا أسماء ماكان معروفًا في زمانهما، فإن النبطي تسمية حادثة بعدهما لم يذكراها فيما ذكرا من الأسماء. ويظهر أن التسمية بدأت في الجهة الشمالية المجاورة للعراق لقربها من الأنباط وبدأت تعرف؛ لانتشار الشعر بسرعة. وأول من عرف من شعراء الشعر النبطي في القديم أبو حمزة العامري من الأحساء وراشد الخلاوي، وقطن بن قطن من أهل عمان، ورميزان وجبر بن سيَّار من أهل نجد وبركات الشريف وبديوي الوقداني من أهل الحجاز وحميدان الشويعر من أهل الوشم (القصب) والهزاني من أهل (العقيق) الحريق. وفي القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريَّيْن، انتشر الشعر النبطي انتشارًا واسعًا في جزء كبير من الجزيرة العربية وكثر الشعراء الذين يحسّنونه وقوي في كل مكان وعلى كل لسان، وبلغ الغاية في سرعة الانتشار في العصر الحاضر. وبرع فيه شعراء كثر منهم: جهز بن شرار، وابن سبيل، وشليويح العطاوي، ورشدان بن موزة، ولافي العوفي ومحمد بن لعبون وغيرهم.
وكل هؤلاء عاشوا في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري. ثم جاءت بعدهم طائفة من الشعراء الشباب المعاصرين منهم: الأمير محمد السديري وسمو الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز (ابن الملك فيصل) والحميدي الحربي، وبندر بن سرور، وخلف بن هذال، وسبيل بن سند، وبدر الحويفي، وابن عبَّار العنزي، وكثيرون غيرهم.
أقسام الشعر النبطي. ينقسم الشعر النبطي إلى فنِّ القصيد، وفنِّ الرد أو الحوار. وفي كل فنِّ، برز عدد من الشعراء المجوِّدين.
مضامين الشعر النبطي. الشعر النبطي يحمل كل المضامين التي عرفها الشعر الفصيح وعبر عنها العرب الفصحاء، وكل فنِّ وُجِد في الشعر القديم المعرب وُجد في الشعر النبطي واحتفظ بكل عناصر الشعر العربي إلا الإعراب وبحور الخليل، فقد تخلَّى شعراء النبط عنهما إلا أنهم أحدثوا أوزانًا جديدة يستقيم بها جرس الشعر النبطي ويعرفون بها الشعر الموزون المقفى من غيره. وأغلب شعراء النبط في القصيد يلتزمون في البيت قافيتين، فيقفَّون الشطر الأول من البيت بقافية والشطر الثاني بقافية أخرى مثل قول رشدان بن موزة:
يا الله يا فرَّاج ياراع الأفراج يامْبدِّل عسر الليالي بِلِين
تفرّج لمن بيتُه على جَال مِسْهاج كنَّه خلاوي ماش حوله قطيني
ويتناول الشعر المدح والرثاء والهجاء والغزل ووصف الكرم والشجاعة وكل موضوعات الفخر وغيرها ولكن بلغة عامية. وهذه المعاني تأتي في القصيد الذي يحسنه الشعراء في الحجاز ونجد وشمال الجزيرة كله وشرقها وغربها. ومن نماذج ذلك قول مشعان الهتيمي:
قول مشعان الهتيمي تفلهم قاف رجس بين الضلوع المغاليق
وَاحَيْرتي في مقعدي قيس ماتم قلب الهواوي يطرقنِّه مطاريق
خِلِّي طواني طَيَّة الثوبَ الأدهم وأنا طويته طي بير الزرانيق
ومثله قول جهز بن شرار:
يا غزيل جاني وجيته على الدرب جاني وأنا عجلان ماني بقرّا
يحوز من قصر العوالي على الزرب ويمشي على مشهاته اللِّي يورّا
بغيت أخمَّه مير ذلَّيت من حرب وأنا على درب الرَّدى ماتجرّا
أما فنُّ الرَّد أو الحوار فلا يعرف مثله في الشعر الفصيح، وصفته: أن يقوم شاعر ويقوم معه صفان من الناس، فينشد بيتين فيردد الصفان البيتين حتى يعترض الشاعر الآخر ويطلب منهما السكوت ثم يأتي ببيتين آخرين يشاكل معناهما معنى البيتين السابقين، فيقوم الصفان بترديدهما، فإن كان البيتان الأولان مدحًا تبعهما الشاعر الثاني، وإن كانا هجاءً تبعهما أيضًا... إلخ. وهذا الفنُّ لا يحسنه إلا القليل، ومنشؤه في الحجاز وفرسانه هناك (الحجاز مابين الحرمين وما حولهما) لأنه يقوم على أسس معرفية، وأعراف اجتماعية مرعية، وبيئة تشجِّعه. كما يقوم على الذكاء اللمَّاح، وسرعة البديهة، واستحضار الحال، وتضمين أشياء بعيدة عن الفهم المباشر والدلالة السطحية للكلمات. وتكون قدرة الشاعر في استعمال الإيحاء والإيماء البعيد للمعنى مؤثرًا في جودة الشعر، وتزيد إعجاب الناس بالشعر وبالشاعر وترجح كفَّته على مناقضه ويقع الإقرار بشاعريته. ولهذا الفن قوانين يحترمها الجميع، ولا يجلب الهجاء في الملعب عـداوة بين الشـعراء في الغالـب. وإذا لم يحـسن الشاعـر ـ أي أحد المتناقضين ـ المعنى المراد البعيد للشاعر الأول ولم يأت على معنى الشعر الأول بما يطابقه أو يوافقه، عد غير قادر ولو قال في كل ثانية بيتًا، وقد يشتكي منه حتى مناقضه كأن يقول مثل ما قال مهيل الصاعدي:
عميلي حاور الوادي وأنا أَدُوْرُه مع الضّلعان ودوِّرْ صاحبي يالين حال الموج من دونه
دخيلك يافلان إنك تُعدلْ لي لحون فلان عليك تعد له وإلا على المعنى تردونه
يعني أن مناظره قد ذهب بعيدًا عن معناه الذي يريد. وقد يكون المعنى كناية عن أشياء لا يود الشاعر التصريح بها ولا يكون في ملعبة ومُزَيَّنْ كما قال السلمي:
يا ضلع ضلع الحيا يا اللي عشاك النبات فيك الوروش أعجبتني وأدخلتني معك في دينها
يا ضلع ياضلع مرعاية ثمان عنزات ثمان لا تنقص الديره ولا تخلف قوانينها
وهو يخاطب امرأة فترد المرأة:
معزاك معزاك يا ابن احليس لاتعرض بها للثقات من خوف حذفه تجي ويحطها الله في مضانينها
إما كلَّهنْ وإلا غَدَنَّ الأربع الأولات صارت حسوفه على النَشَّاد والرِّعيان كانينها