أعطى الأقارب والبعيدَ سناءَ كالشمسِ تعطي دفءها وضياءَ
هيَ سيرةٌ للشيخِ طولَ حياتِهِ وحروفِهِ بعدَ المماتِ وفاءَ
كالراسياتِ الشمِّ يبقى علمهُ في الدهرِ أهدى العالمينَ عطاءَ
عرفَ الحياةَ يراعَهُ وصحائِفاً مُلأتْ وسايرتِ الزمانَ بقاءَ
عرفَ الحياةَ زهيدةً منقوصةً فقضى يعاني في السنينَ شقاءَ
عرفَ الحياةَ بظلِها وزوالها كلاً يصيرُ عدا العلومِ فناءَ
عرفَ الحياةَ قناعةً في نفسِهِ بعظيمِ نفسٍ أصغَرَ العظماءَ
عرفَ الحياةَ مآثراً وفضائِلاً فازورَّ عن صغرِ النفوسِ حياءَ
فقضى وحيداً لا قريبَ بجنبِهِ إذ لم يكابد صبيةً ونساءَ
فاستعذبَ العزبَ المريحَ فإنهُ همٌّ ويقسِمُ عقلَهُ أجزاءَ
فرداً وحيداً قادً كلَّ حياتِهِ ما اهتمَّ في قابيلَ أو حواءَ
لمْ يحنِ هاماً للملوكِ ولمْ يكُنْ يرضى الدنيةَ خيفةً وولاءَ
ما اهتمَّ في وقعِ المهابِ فنفسُهُ أسمى وأكبرُ عزةً وعَلاءَ
وبذا تكنى ما تزَلَّفَ مرةً وأرى لهُ فوقَ العلاءِ بهاءَ
قدْ طارَ من فوقِ المعرةِ صيتُهُ وعلا الثريا طيبةَ وثناءَ
فخرالعروبةِ والمعرةِ أبلى فأحسَنَ في الزمانِ بلاءَ
فأتى اللزومَ وشِعرُهُ عالٍ وفي متنِ الرسائلِ قدْ تحارُ أداءَ
أورى بسقطِ الزندِ ناراً نورها ملأ العراقَ وجاوزَ الصحراءَ
لمْ يستَطِبْ أكلاً ولمْ يأبه لهُ حفلَتْ بهِ الأيدي صباحَ مساءَ
لمْ يتخِذْ خدماً ولا مالاً ولا قصراً ولا زوجاً ولا أبناءَ
هوَ في الذرى قدواً ولو حطتْ بهِ بالفقرِ أقدارُ الحياةِ جفاءَ
قدْ عاشَ بعدَ الموتِ أكرمَ عيشةٍ وغدتْ حياةُ الأغنياءِ هباءَ
كمْ يلُ بعدَ المتِ ذو حظٍ وفي أثناءَ عمرٍ يمتطي الخشناءَ
كلُّ البريةِ في عماءٍ غيرُهُ فلقدْ علا وتجاوزَ الجوزاءَ
جلَسَتْ قوافي الشعرِ عند لسانِهِ طوعاً بعلمٍ أعجَزَ البلغاءَ
هوَ بحرُ علمٍ زانهُ حفظٌ وعى بهِ سالفاً قدْ حَيَّرَ الحكماءَ
كمْ عندهُ من سيرةٍ روَّتْ فما ينسى فهلْ قد عايش القدماءَ
حفظٌ تيسَرَ في خليقةِ عارِفٍ إذ لمْ يعانِ ضيقةً وعناءَ
يفضي حياءً منهُ عارفُ قدرِهِ بينَ الأنامِ فينحني استحياءَ
مِنْ أَنْ يُسَوِدَ صفحةً بيراعِهِ لتصيرَ في ما قدْ حوَتْ رعناءَ
كمْ صدَّ عنْ حوشِهِ مُتَفَهِمٌ خوفاً وينأى جانباً ووراءَ
هيَ صعبةٌ لا يستهانُ بظهرِها ركباً لمنْ يتبطنِ البيداءَ
وحشيةٌ ولقدْ تقحمَ فوقها من راكبٍ تجري يداهُ دماءَ
وأتى المعري ساسها في خبرةٍ أضحتْ بغفرانِ الرسالةِ شاءَ
لولاهُ لا كُتبَتْ ولا قرأتْ ولا قبلتْ من المسدِ القويِّ رشاءَ
لانت لهُ تلكَ الصعابِ فقولُهُ بعدَتْ مقاصِدُهُ ولجَّ خفاءَ
أحتارُ في وضعِ الرسالة متعباً ولكم أرى الإرهاقَ والإعياءَ
برسالة الغفران جاءَ كطتابةً فوقَ العقولِ يزينها إثراءَ
فإذا قرأتَ وجدتَ نفسكَ جاهلاً وإذا ظننتَ القصدَ ذبتَ حياءَ
هو آيةٌ جعلَ الإلهُ عيونهُ عمياً وأشرقَ فكرهُ وأضاءَ
هو عبرةٌ بينَ الأنامِ بحفظِهِ بزَّ الكلامِ وأسكتَ الشعراءَ
وقع المضيف على جنودِ عدوِهِ ولربهِ في خلقِهِ ما شاءَ
وبدا رحيماً عندَ فرغِ دوائهِ أبضعفهِ يبقى السقيمُ شفاءَ
يكفي تنوخاً أنهُ منْ أهلِها علماً يرفرفُ عزةً وإباءَ
يكفي المعرةَ أنهُ من أرضها علماً على مرِّ الهورِ تراءى
يكفي القدامى باعثاً لكلامهم نالوا بهِ فوق الجباهِ ضياءَ
ما رامَ غيثاً وحدهُ لنعيمهِ إن لم يروِّ بقطرهِ البيداءَ
يا أمَّ رهنِ المحبسينِ أهكذا أنجبتهِ أو قلتِ فيهِ دعاءَ
يحتارُ عقلُ المرءِ فيهِ فلا يرى ظلَّ الشبيهِ ولا يرى نظراءَ
أرجو إلهَ العرشِ تجمعني بهِ دارُ النعيمِ إذا أجابَ رجاءَ
جفَّ اليراعُ ولمْ يحطْ بصفاتِهِ جمعاً وقالَ الناسُ فيهِ ثناءَ
فإذا أتيتَ إلى المعرةِ فاتخذْ أدباً يليقُ وعفةً ونقاءَ
وإذا قربتَ القبرَ طأطئ عنده هاماً وخلِّ القادمينِ حفاءَ
وإذا أتيتَ الرمسَ فاقرأ قولهُ هذا جناهُ وما جنيتُ شقاءَ
و‘ذا تلوتَ على الضريحِ فواتحاً فادعُ الإلهَ جنانهُ العلماءَ
يتغمدِ المولى الكريمَ رفاتهُ سبلَ الفلاحِ ورحمةً ورخاءَ
وإذا رجعتَ أخاف ربي زلةً بالقولِ خصَّ الكعبةَ العزاءَ
واللهُ خصَّ محمداً ومقامهُ هادي الورى ألا نديرَ قفاءَ
صلى عليهِ الله ما لسنٌ تلا عددَ الرمالِ ومن غدا أو جاءَ
وعيكَ صلى اللهُ يا خيرَ الورى عددَ الحصاةِ وما حوتْ أجزاءَ