الماء الراكد
يـاعبرة َ العمرِ كـم أعييتُ من تعبِ
أُخفي لمــا مرَّ أو أمـليهِ في الكتبِ
ألـمـلمُ الذكـرياتِ البيضَ جانبهَـا
ليلٌ ونـــارٌ تلظَّى في غدٍ شـحبِ
أين الرســـومُ أضاعَ الدهرُ ذروتَهَا
وحطَّ فيهــــا بـواراً بعد مُنتحبِ
أين الشـــبابُ وقد ألــوى ذؤابتَهُ
عمرٌ طويلٌ وأعوامٌ كمــــا الحقبِ
فالعمرُ يأكـــلُ هــذا الجسمَ يُتلفُهُ
ما بينَ ضحكٍ قليلٍ فــي الهمومِ رُبِي
أســــوقُ بعضَ أقاصيصٍ فأنشرُها
وأخزنُ البعضَ خوفَ القيلِ و العتـبِ
وفــي يـدي قــلمٌ والزَّادُ محبرةٌ
والقـلبُ يذكرُ والأفكــارُ كالشّـُهبِ
لــكِنْ أخافُ على الأسماعِ من ملـلٍٍ
فأتركُ الســـمعَ حراً هانئَ الـرُّغبِ
أُمـلِي حـكايةَ خوفــي مقطعاً وبـهِ
يفيضُ ماءٌ وبعضُ الحتفِ من لعــبِ
في يومِ كانَ شبابي فاضَ عن جسـدِي
وأخــدمُ العَـلَمَ المُعنى بكـلِّ أبـي
وقـد تفانيتُ فــي قولي وفي عملِي
راعيتُ قــدري فلمْ أُذمَمْ ولمْ أُشَـبِ
وصنتُ نفسي فلـمْ أتركْ لــذي لَسَنٍ
إلا المـديحَ لمــا ألقــاهُ منْ نصبِ
يومــاً ونخرجُ مشروعـــاً بباديةٍ
نصفَ الربيعِ ويزكو الرملُ بالعُشُـبِ
وقــدْ عَمِلنا خلالَ الصبحِ ما رسمتْ
لنا قيادتُنَــا في السَّـهلِ والهُـضُبِ
ثمَّ انحدرنَـــــا بدربٍ ضيِّقٍ وبِهِ
نهايةُ الســفحِ والإطعامُ في العُـلبِ
قـامَ الشبـابُ يعدوا أكلَنــا وأنـا
ذهبتُ أجمــعُ أعـواداً منِ الحطبِ
رأيتُ مُسـْـــتنقعاً شطَّتْ شواطئُهُ
في صفحةِ الأرضِ لا يحتاجُ للغَـرِبِ
هنا جلســــتُ على صخرٍ بحافَتِهِ
أغسِّلُ الســـاقَ في حبٍ وفـي دأبِ
أقـــولُ في النفسِ إني لو أخوضُ بهِ
فـليسَ أموَاهُــهُ تعلو علـى الركبِ
وأســــمعُ الصوتَ أينَ النارُ نوقِدُهَا
هـــاقدْ وقفتُ لِتَـوِي حاضراً أُجبِ
وأحمــلُ الحزمةَ الصُغرى لنوقدَهَـا
تحتَ الطعامِ نُزِيلُ الجوعَ من ســغبِ
وهكذا وانقضى مشروعُنَــا ولنــا
عندَ الـرُّجُوعِ أهــازيجٌ على طربِ
وينقضي الصيفُ إذ عُدنَـــا لهضبتِنَا
حيثُ الجفافُ ورملُ القـاعِ والسـُهُبِ
وقد نزلتُ لأدنى الســفحِ أنظرُ مــا
رأيتُ من مـــاءِ في مستنقعِ لـجبِ
لمــَّـا وصلتُ حجبتُ العينَ من نظرٍ
وخفتُ ممـــا أرى في فتحةِ الهدبِ
مســتنقعي ذاكَ رامٌ لا قرارَ لـــهُ
حيطـانًُهُ قُطعتْ من صخرِهَا الصَلِبِ
والعمقُ ما العمقُ لاتســـألْ فهاويةٌ
بعيدةُ القــــاعِ والمقياسُ بالقصبِ
هناكَ دارَ برأسي الخوفُ كيفَ أنــا
إذا يكنْ بجواري أســــوَدُ الذَّنَبِ
في القاعِ بعضُ مياهٍ حششتْ وبهــا
بعضُ الضفادعِ والأحطـابِ والتُرُبِ
لو كنتُ قد سِخْتُ فيها ضعتُ لاأحداًَ
يدري بـــأمري ولا عرَّافةُ العَربِ
لو كنت قد ضعتُ فيها ذمَّنِي رُفَــقٌ
فــي قولِهمْ ساعدتهُ البيدُ في الهَرَبِ
لو كنتُ قد ضعتُ فيها فتشوا زَمنــاً
ثم اســـتراحُوا إلى ظنِّ من الكذبِ
يرثونني بكـــــــلامٍ طيبهُ نتنٌ
وعندَ أصدقهمْ لمْ أخْـــلُ من عَتبِ
فرَّ اللئيمُ يقولُ النـــــاسُ أكثرهمْ
واللـؤمُ مــا جئتهُ أخشى على نسبي
أقسى منَ الموتِ عارٌ دونمــا سببٍ
ألقـــى بهِ الذَّمَّ بعـدَ الموتِ والغِيبِ
أرادَ ربكَ أن أحيَا وأنجبَ مــــا
أنجبتُ من ولـدٍ يحيـــا بقولِ أبي
لكنَّني الغفـــلُ خيرٌ ذاكَ أو ضررٌ
وهو المخبــــأُ والرحمنُ أعلمُ بي
لو لا تفيدُ وإن الحتفَ فــــي قدرٍ
يأتيكَ لــوكنتَ في قصرٍ من الذهبِ
فســــلمِ الأمرَ للمولى القديرِ فما
تدري الحيـــاةَ بخيرٍ أو على لهبِ
الشاعر : خالد بشير ذكرى