أتى الربيعُ فوجـهُ الأرضِ يبتسمُ
والزهرُ فتَّحَ وازدانتْ بــهِ القِممُ
وأُلبسَ السفحُ ثوباً أخضراً وُشِيَتْ
ساحاتُهُ زُخرُفاً مـــا ارتادهُ قلمُ
مِنْ أحمرٍ زَيَّنَ الآفـــاقَ منظَرُهُ
وجِنٌ منَ الغيدِ أو سـحرٍ أتـاهُ فمُ
وأزرقٌ مثلَ وجــهِ البحرِ داعَبَهُ
ريحُ الصبــا حينمـا هبَّت النسُمُ
وأصفرٌ شــابَهتْ ألطافُ رِقَتِـهِ
وجهَ المحِبِّ مـنَ المحبوبِ ينحرمُ
من أقحوانٍ كشمشٍ فـي نضارَتها
وأرســـلَتْ وجهها للنبتِ يرتسِمُ
كدرَّةٍ قــد أحيطت مـن جوانبها
بأبيضٍ حـارَ فيهِ الوصفُ و النظُمُ
حطَّ النـــدى فوقَها حباً وزينها
كأنها أعينٌ حورٌ وقـــدْ حكموا
بعاشِقٍ لـــمْ يَرَ الدنيا وبهجتها
إلا بظِـلِ حبيبٍ بعــدَهُ ســَقَمُ
كأنما الفنُّ قـــدْ لِفِّ الدنا غسَقاً
على الربى واستفاقَ الكونُ والأممُ
كذلكَ الأرضُ وافى عُرسُها فرحاً
يلَوِّنُ السهلَ فارتاحتْ لــهُ الأكمُ
وقدْ جرى الماءُ في الوادي ويرفِدُهُ
جداولٌ قد أتــاها الخيرُ و الكرمُ
كــأنها الفِضَةُ البيضاءُ حفَّ بها
زهرٌ ووردٌ وأطفــالٌ بها نعموا
شقائِقُ الســفحِ كالوديانِ دغدغها
ريحٌ فمالتْ كـــأنَّ النهرَ يلتَطِمُ
والجوُّ كالعِطرِ فوحاً فيهِ قدْ مُزِجَتْ
من خالِصِ الوردِ والريحـانِ تلتَئِمُ
والغُصنُ زهرٌ كأردانِ العروسِ بدا
عقودَ آلافِ فنــانٍ بها نظمــوا
والطيرُ يرقصُ من حبٍ ومن طربٍ
كــأنهُ عــازِفٌ يرتــادَهُ النغمُ
حيناً وتنظُرُ فـــي الأجواءِ قُبُّرَةٌ
غَنَّتْ طويــلاً وما ألوى بها السأمُ
لاذاكَ عمرُ شـــبابِ العامِ نعرفُهُ
وتلكَ دورَتُــهُ فـــالدهرُ ينقَسِمُ
فصلٌ بــه الغيثُ والأرياحُ عاتيةٌ
بردٌ وثلـــــجٌ وللأحبابِ مُلتَزَمُ
والصيفُ بــالحرِّ والأجواءُ لاهبةٌ
فتطلبُ الظِــلَّ والأنســامُ تُنْحَرَمُ
أمــا الخريفُ كعمرٍ صـارَ آخرُهُ
يئِنُّ فـــي الضيقِ إذ ينتابُهُ الألمُ
تلكُمْ حيــاتي فـأيامُ الخريفِ بها
بردُ الشتاءِ وحظي فــاتَهُ القسـَمُ
يـــاربِ أنتَ وهبتَ العامَ قسمتهُ
وحصتي مــا أتت أودى بها العدمُ
من يومِ جئتُ حملتُ الهمَّ فـي كتفي
حتى أتى الحزنُ لي والضعفُ والهرمُ
يــأتي الربيعُ لغيري لا أُحِـسُّ بهِ
عيشـاً وترزؤني الأحــزانُ والندمُ
إن كنتَ ترضى فمـا من محنةٍ أبداً
فــالهمُّ عوَدْتُهُ والصبرُ و الحــلمُ
بــاتتْ ذنوبي كرضوى ثقلُها جللٌ
وعنــدَ عفوِكَ مــا الأثقالُ واللممُ
أرجــو الربيعَ بحـشرٍ كلُّــهُ أملٌ
منكَ الرجـــاءُ وفيضُ الخيرِ والنِعَمُ
يا ربِّ أحسنْ خلاصَ النفسِ من شركٍ
أنتَ العليمُ وأنتَ العــــادلُ الحكمُ