لا حـولَ للمرءِ فـي المكتوبِ والحِكمِ
فحســـبُكَ اللهُ في الآمـالِ والنَّدمِ
فـي كلِّ أمرٍ لــهُ في الخلقِ حكمتُهُ
وثــاقبُ العقلِ فـي الحُسبانِ لم يُقمِ
بــلْ باليقينِ ترى في كــلِّ حَادثةٍ
آثـــارَ حكمتهِ فـي الكونِ والأممِ
ربٌ حـكيــمٌ يرى ما لا نَراهُ بِنَـا
وإنَّنــا عن أمورِ الغَيبِ فـي صَمَمِ
فتىً بـأعوامهِ العـشرينَ في غَضَبٍ
قـد غـادرَ البيتَ من ضِيقٍ ومن أَلَمِ
لايسـتطيعُ كَــــلاماً فهو ذو بَكمٍ
يــاآفـةَ العــيِّ عندَ الصُّمِّ والبُكمِ
يـــؤمُ دربَ أريحا دونَ باصرةٍ
وراجعــاً بـسريعِ السـيرِوالقـدمِ
لطــرقِ بينينَ والرعيـانُ تنظرُهُ
والليــلُ ينشرُ أسـتاراً مـن العُتُـمِ
لجـانبِ الغـابةِ الكُبرى وقد فُقِدتْ
آثــارُهُ حيثُ لـمْ يُذكرْ ببنتِ فَــمِ
هنـاكَ يلعَبُ ظنٌ لاقـرارَ لَـــهُ
من أعقلِ الناسِ فـي فِكرٍ وفي فَهَـمِ
فكيفَ بــالأمِّ والأوهــامُ تأخذُهَا
لأصعبِ الأمرِ من وَحـشٍ إلى عَـدَم
أبٌ يحــارُ ولا يــدري أمحنتُهُ
جـاءَت بيقظتِـهِ أو مُزعِجِ الحُلُــمِ
والأقربـاءُ بـلا مَهلٍ سَـرَوا زُمَراً
في كــلِّ دربٍ من العُمرانِ والخِيَـمِ
وراءهُ عَــشراتٌ خـَـلفَ خَطوتهِ
بينَ القُرى ولــدى الأقوامِ والنُّسَـمِ
وكـلُّهمْ بحنينٍ فــــي تــأملِهِمْ
قـد أشـغلوا وقتهمْ من كلِّ ذي رَحِـمِ
ومــن صَديقٍ ومن جَارٍ وعن خَبَرٍ
تجمَّعوا مـن كـريمِ النـاسِ والشِّـيَمِ
أمضى ثــلاثــةَ أيـــامٍ بغيبتِهِِ
كـأنَّهـا العُمرُ عندَ الأمِّ في الرَّقَــمِ
ففــي القُرى نـامَ ليلاً دونَمَا هَدفٍ
وفــي الَّنهارِ بسَعيٍ مُجهـدِ القَــدمِ
أو ضمنَ حَافِـلةٍ في الطُّرقِ سَائرةٍ
يمضي بــلا غَـايةٍ محدودةِ القِيَــمِ
حتى دمــشقَ كبحرٍ واسـعٍ عَرمٍ
يضِيعُ فيهــا ذوو الأعــرافِ والفَهِمِ
هنــاكَ يلمحُهُ مـــن ذي قرابتِهِ
فتـىً ويعرفُــهُ من غيرِ مـا كَــلِمِ
تـــواً ويُرْكِبُهُ من غيرِ مـا مَهَلٍ
ويقطعُ البعــدَ في هماتِ مُحتـــدمِ
إلى المعــرةِ حيثُ الأهلُ كبَّلَهُــمْ
قيدٌ مــن الحزنِ والأناتِ والسَّـــأمِ
هنا استراحُوا وسالتْ دمعةٌ فرحـَـتْ
من عينِهِم وأُزيلَــتْ لوعةُ العَـــدَمِ
كـــذلك الأبكمُ المسكينُ وحشَـتُهُ
كمـن أوى جَـوفَ بيتٍ غيرِ مُنهـَـدِمِ
أما ترى الشامَ بَحراً وَاسـِعاً عَرِمَـاً
يُرى بـها بين عُـربِ الأرضِ والعَجَـمِ
وفي القرى ضاعَ عن لَمحٍ وعن نَظرِ
يـــاحكمةَ اللهِ فـوقَ الجُهـدِِِ والهِمَـمِ
هنــا قريبٌ من الرؤيـا ولم نرهُ
والشــامُ دنيــا تزيدُ التيهَ في التُّهَـمِ
فســـلمِ الأمرَ للمولى القديرِ فقدْ
يـأتي ســِـقامكَ من مَهوَاكَ في الطُعُمِ