أتاكَ منَ الأيامِ ما لشتَ تحسَبُ
وحطَّ على ظلماءِ شعرِكَ أشيبُ
ولاحَ أمامَ العينِ همُّ كهولةٍ
وعادةُ أيامِ الزمانِ تقَلُّبُ
وقدْ كنتَ قبلاً ناضِرَ العودِ قوةً
إذا عُدَّ أهلُ العزمِ أنتَ المجرَّبُ
وجاءتْ عوادي الدهرِ تعوي عِواءَها
كذِئبَةِ بيداءٍ بها الشرُّ أجرَبُ
مكَشِّرةً عنْ كلِّ أصفرَ قاطِعٍ
كمسنونِ سهمٍ شرُّهُ ليسَ يُحجَبُ
لها في شويهات القطيعِ صبابةٌ
وحولَ نحورِ الواقِعاتِ تصبُبُ
تُقَضقِضُ أعناقاً وتكسِرُ أضلُعاً
وفي ساحة الصحراءِ فتكٌ ومأرَبُ
ومنْ خلفِها جروٌ وثانٍ وثالِثٌ
وأرحَمُهُمْ من جامدِ الدَّمِ يشربُ
إذا ما شكوا جوعاً تطايرَ شرُّها
ونالتْ منَ العضلانِ منْ هوَ أقربُ
كذلكَ وقعُ الحادِثاتِ وشأنها
على الهامِ أو بينَ المفاصِلِ تضرِبُ
أبتْ أمُّ دفرٍ أن تُغَيِّرَ طبعها
لئيماً لهُ نحوَ الكرامِ تقَرُّبُ
إذا وقعَ الإنسانُ حطَّتْ بثقلِها
على صدرِهِ والموتُ من ذاكَ أغربُ
ينامُ فلا يسلو منَ الهَمِّ ليلةً
ويغدو وما الإصباحُ من ذاكَ أطيبُ
وينظرُ من كانتْ أمانيهِ مثلهم
فيشفى بمرأى العينِ والنفسُ تكرُبُ
أمن حسدٍ لا والذي فلقَ النوى
ولكن إلى خطِّ التشابهِ يرغَبُ
تعِبتُ وغيري نالَ ما أنا طالبٌ
وفي قمَّةِ العلياءِ مَنْ كانَ يلعبُ
تغَمَّدَهُم ريشُ النفاقِ ونابني
معَ العِزِّ ثعبانٌ عنيدٌ وعقربُ
أعاتبُ دهري والهمومُ تعلَّقتْ
بأذيالِ ظلِّي إنْ أُغَرِّبْ تُغرِّبُ
أزولُ وما زالتْ وأرجح ُ شاعراً
بأنفاسِ ضيقٍ والتنفُسُ يُحجَبُ
ووحشُ همومي قدْ تَفَرَدني فما
يرى حولَهُ إلايَ باقٍ فيطرَبُ
تنَحَّ قليلاً يا ظلومُ لساعةٍ
ولو بعدَها في كلِّ عزمِكَ تضرِبُ
تنحَّ قليلاً يا غشومُ للحظَةٍ
وعُدْ بعدها تفري الرقابَ وتعطِبُ
تنحَّ تُرِح نفسي وعزمَكَ برهةً
وقدْ ضعتُ يا رباهُ منْ أينَ أذهَبُ
أكيداً بأنَّ العبدَ كلَّ بشَدِّهِ
على معصمي دهراً فلا بدَّ يتعَبُ
دوائِرُ من حولي سهامٌ تصوَّبتْ
وضاقتْ فيا اللهُ من أين أهرُبُ
ولسْتُ ضعيفَ النفسِ لكنْ تكاثَرَتْ
عليَّ كأني هادِمُ الركبِ مُذنِبُ
ولا ذنبَ لي إلا اصطباري على الأذى
وإنَّ احتمالي في المُصابِ لأصعَبُ
أيا رَبَّ أيوبٍ ومنقذَ يونُسٍ
وهادِيَ موسى إذ أتى البحرَ يضربُ
ويا رافِعَ عيسى وغافِرَ ذلةٍ
لآدمَ هلْ لي عندَ جودِكَ مطلَبُ
أرحني منَ الدنيا وإلا فآخذاً
بيدِ ضعيفٍ جاءَ بابَكَ يَطلُبُ
وهَبْ أنني أذنبتُ ضعفاً وغفلَةً
فكنْ غافراً فالحلمُ عندَكَ أرحَبُ
أغثني بتفريجِ الكروبِ جميعِها
بجودٍ ,ادركني ولمَّا أغيَبُ
صبرتُ وحمدُ اللهِ غايةُ مقصدي
وأُشنقُ بينَ الخشيتينِ وأُصلَبُ
قصدتُكَ يا رباهُ وحدكَ مُسعِفي
فكن لي معيناً جئتُ للعونِ أطلبُ
كريمٌ وبابُ الطيبِ عندكَ مخصِبٌ
إذا جفَّ ماءُ البحرِ أو راحَ يُجدِبُ