عِبْرَةٌ سـَلـَفـَتْ
أَرحْ فؤادَكَ من همٍّ ووســــواسِ
أقــدارُ ربكَ تأتــي لا هـوى النـاسِ
وحُكمُهُ نَـافذٌ فـي الخلقِ أجمَعِهِـم ْ
يُعطي مِـنَ الخيرِ أو يعطي مِـنَ البـاسِ
في كلِ حــالٍ من الأحوالِ نحمدُهُ
فـي بهجةِ القصرِ أو فـي عَتـْمِ أَرمـاسِ
فالدهرُ يومــانِ يومٌ طعمُهُ عَسَـلٌ
حـلوُ المذاقِ ويـومٌ ســُــمُّه قــاسِ
ما كانَ بعدَ طلوعِ المرءِ فــي قممٍ
إلا النـزولُ علــــى هـمٍ وانكــاسِ
فاجرع منَ الصبرِ مُراً طابَ مطعمُهُ
وجانبِ الــوردَ واستــقـلـل منَ الآسِ
عـادتْ منَ البحرِ في همٍ وفي فكرٍ
تبكي وأدمعهــا تنهـــلُّ كـــالمطرِ
فخاتمُ الملكِ ضاعَ اليومَ من يدِهَــا
بلُجَّةِ المــاءِ فـي مَنـــأَى عنِ النظرِ
تبســَّـــمَ الملكُ الهادي للوعتِهَا
وقـــالَ يأتيكِ خيرٌ منــــهُ فانتظرِي
وفي الصباحِ أتـَـى السماكُ في يدهِ
حـوتُ تصيَّدهُ فـــي عتمةِ السـحَرِ
هديةُ القصرِ هذا الحوتُ يا ملــكاً
إن كـنتَ ترضى بـهِ جبراً لمُنكَـِسرِ
وعندما شُقَّ بطنُ الحوتِ أعجبُ ما
فـي بطنهِ الخاتـمُ المفــقودُ فـاعتبرِ
بكى المليكُ وســتُّ البيتِ ضاحكةٌ
شــَــتَّانَ بينَهُمـا في ثـاقبِ النظرِ
وقال ذلك حظ نــــــالَ غايتَهُ
وبعدهُ ســـوفَ نخشى حـالكَ الكَدرِ
عــامٌ يمرُ وحيكتْ في دجى الظلمِ
من مـارقٍ ظافرٍ آتٍ عـــلى قـدمِ
وأحكمتْ كلَّ مـا في القصرِ قبضتُهُ
وصاحبُ القصرِ أضحى طـالبَ السَلَمِ
فغادرَ القصرَ بعدَ العـزِ منهزمــاً
ببعضِ مــالٍ بـلا جنـدٍ ولا خـدمِ
إلا بزوجتِهِ والخوفُ لَفَهُـــــما
حتى استقرا بخانٍ شـِـيدَ مـن قِـدَمِ
في بلدةٍ قَدْ نَأتْ عن أرضِ غالبـِهِ
ســَـليبَ مُلكٍ فقيدَ العـزِ والكَـرَمِ
حطَّ الرِحالَ بذاكَ الخانِ يســـكُنُهُ
بين القوافلِ في شـَــتى مِنَ الأُمَـمِ
كريمَ قومٍ تردى بـعـدَ عزَّتـِــهِ
في مجمعِ العيرِ بينَ الأَيْـنق الرُخُـم
يـــاربِ لطفاً بمن حُمَّ القضاءُ بهِ
وسـاوَرَتْهُ رزايـا الضيق والســقم
يـــارب رحماك فيمن قل ناصره
من بعد رفعته فـي النــاس والأمم
فــي غربة يجهلُ الجيرانُ محتِدَهُ
يضيعُ فيهـا رفيعُ الأصلِ والشِّــيَمِ
ومــا تعلمَ أعمالاً يزاوِلُــــها
وانبتَّ في البعدِ عن أهـلٍ وعن رحمِ
بـــاعَ الأساور والأثمانُ يصرِفُها
مابينَ أجرةِ سُــكنَى الخـانِ والطُّعمِ
وكــــلما قـلَّتِ الأموالُ في يدهِ
بـاعَ العقودَ وأفنـاهـا علـى نـدمِ
حتى غدا عَدِمــاً لاشــيءَ ينفقُهُ
وجـاعـتِ الزوجةُ الأوفى ولم تلـمِ
طوى وزوجتُهُ في البيتِ طـاويـةٌ
وجوفُـهُ بلـظىً حــرًّى مـن الألمِ
من أينَ يأتـي بقوتٍ بعـدما فَرِغَتْ
يـداهُ من ملكِــهِ الموفـورِ والعظَمِ
يحتالُ في جلبِ بعضِ الرُّزِ مُتّجِراً
بينَ الحوانيتِ شـــبهَ التًّـاجِرِ النًّهمِ
وَعَيِّنَاتٍ من الأســـواقِ يجمَعُهَا
والظًّنُّ ما بينَ شــــحاذٍ ومحتـشمِ
وعــــادَ للخانِ والجيبَانِ قد مُلِئَا
قومي إلـى الطبخِ بعدَ الجوعِ والعـدمِ
تهلَّلَتْ فَرِحَتْ من بعدِ مــا طبختْ
وأنزلتْـهُ لِبـردِ الرِّيـحِ و النُّسُـــمِ
ويعثرُ الهِّـرّ ُبالمـاعونِ يقـلبُــهُ
فــي لجًّةِ الوحلِ بين الطِّينِ والوخَـمِ
إنَّ التدَابِيرَ لا تـأتــــي بمنفعةٍ
إلاَّ علــــى قدرٍ من أمـرِ مُحْتَكِمِ
بَكتْ من الجوعِ لا من نحسِ طالِعِهَا
وزوجُهَــا فَرِحُ البسماتِ والقِـسَـمِ
وقــــالَ ذلكَ نحْسٌ صارَ آخرهُ
وبعدهُ نرتجِي رفعـــاً إلـى قـِمَمِ
وفي دُجى الليلِ كان الخانُ مُزدَحِمَاً
بعسـكَرِ المُلْكِ عُـدْ للمُلْكِ واسـتَـلِمِ
عــادا إلى القصرِ والأيامُ عادَتُها
صفوٌ يمُرُّ وأكـدارٌ علـــى نِقَــمِ
فلا تَـكُنْ جَزِعَاً مــا بعدَ عاصِفَةٍ
إلا الســــكونُ فحاذِرْ خيبةَ السأَمِ
فإنَّما الوردُ فوقَ الشـــوكِ منبتُهُ
حَوَاهُمَـــا العودُ والكفُّ الجنيُّ دُمي
لـــو شِئْتُ كانَتْ قوافِيهَا مُوَحَدَةً
لـكنَّ حِكْمَتَهَا أودتْ إلــى قِسَــمِ
إرَادةُ اللهِ لا تخشــــى مُعَارَضَةً
بعيدةً عنْ مَرَامي الشَّــــكِّ والتُّهَمِ
يقضي بـِ (كُنْ) دُونَمَا شيءٍ يُنَازِعُهُ
إنْ كانَ رَأْيُكَ في كـلاَّ وفــي نَـَعمِ
فســــلِّمِ الأمرَ للمولى على ثقةٍ
تدبيرُهُ العـدلُ فـي نطقٍ وفـي حِكَمٍ
ولا تقلْ (لو) فما زادَتْ ولا نَقُصَتْ
الصُّحفُ لـُفًّتْ وجَـفَّ الحِبْرُ بالقـلمِ
قالوا(التَّوكلُ ضَعفٌ) قلتُ يا عَجَبَاً
أَحِيلَةٌ عندَ بـــاري الخـلقِ والنُّسُمِ
أتى بِنَــا دونَ أن نَدري مصائِرَنَا
نسعى إلى الضُّرِّ نفسَ السَّـعيِِ للنـَّعَمِ
وعلمُهُ ســــابِقٌ في كلِّ حادثَةٍ
قضى وقَدَّرَهُ من ســــالِفِ القـِدَمِ
وإنَّنـا العُمْيُ عَمَّـا قد أُرِيدَ بِنَـا
وعِـلمُهُ كَوضُوحِ النَّــارِ في العَـلَمِ
الشاعر : خالد بشير زكرى