الطَبِيبْ وَالعَـقَار
هـيَ المقـاديرُ مثـلَ الـموجِ تضطربُ
ولا يُطـاقُ لهـا دَفــعٌ ولا طلـبُ
تـلـفُّنـا كَـيفَمــا شـــاءت فخيِّرةٌ
طوراً وطوراً بِـشـَـرِّ الضِيقِ تنقلبُ
والخيـرُ فـي الخيرِ لا بالشّــَرِّ مَكْمَنُهُ
والمعجزاتُ أتـى مـن طَبعِهَا العجَبُ
فـالمـاءُ ينبعُ من صخرٍ ويـا عجبــاً
بعضُ الدواءِ مـن الأنيــابِ ينسَكِبُ
والحـرُّ يُمطِـرُ أحيانــاً بـِلا سُـحُبٍ
ودونَ قَـطْرٍ تـمرُّ الـريحُ والسحبُ
وقـيلَ إنَّ أميـراً ضــاقَ من سَــقمٍ
أودى بــهِ وقـلاهُ الجَـاهُ والـرُّتبُ
من بـعـدِ أن زارَ لـقمـانـاً فقالَ لَـهُ
تنــحَّ وافـاكَ في أسـقامِكَ العطبُ
وأبعِـدُوهُ عـنِ الأهـلـينَ إنَّ بـــهِ
داءً تـحـارُ لـــهُ الأدواءُ والكتبُ
قضى بعيـداً عَـنِ الأبيــاتِ في نُزُلٍ
من الخـرابِ وأودى حَيْلَــهُ التَعَبُ
فــي غَدوَةِ الصُّبحِ تأتي الحِجْرَ زوجتُهُ
فـــي قعْبِهَا صالحُ الألبانِ مُحْتَلَبُ
تنظفُ البيتَ فــــي رفقٍ ورحْمَتُهـا
تَـحُـفُّ مـن حَولِـهِ أُنْسَاً وتقتربُ
و أنزلــتْ قَعْبَهَـا يومـاً علـى عجلٍ
وغـادرتـهُ وجَـفْـنُ العينِ ينتَحِبُ
قـد كـانَ ذا هِمَّةٍ شــــمَّاءَ عـاليةٍ
وفـارســاً يومَ نارُ الحربِ تلتهبُ
واليـومَ حـفَّـتْ بـهِ الأهراسُ بـاليةً
فـي عُزلــةٍ وجفاهُ الأهلُ والنُّسَبُ
أودتْ بــهِ عـلَّـةٌ لـقمـانُ حارَ بِهَا
يُكـابـدُ الموتَ والأحشاءُ تضطربُ
مـــا أطيبَ الموتَ عجلاناً بلا مهلٍ
يُرِيحُـهُ ويُزَالُ اللَّـومُ والـعـتـبُ
يدنـو منَ الموتِ لـو يرضى الزُؤامُ بهِ
وعنـدَ حـاجتِهِ كـــمْ عزَّ مُطَّلبُ
إلا ورقـطـاءَ قـد حـفـَّت بمضجَعِهِ
لـعُـوبـةٌ من إنـاءِ الحَلْبِ تقتربُ
عبـَّتْ كـمـا يكرَعُ الظمــآنُ شُرْبَتهُ
أتتْ عليــهِ كمنْ أودى بهِ السَّـغبُ
ثـمَّ انثنتْ تتـقـايـا فـي الإناءِ وقـدْ
زادتْ عـليـهِ وحُطَّ السُّمُّ والغضَبُ
قــالَ الأميرُ أتــاني مـا طلبتُ بِلا
سـعيٍ وقـد يفشلُ المَجْهُودُ والدَّأَبُ
قُـمْ فاشـربِ القَعْبَ لا تخشَ الحُمَامَ ولا
تبـغِ الحيــاةَ وقد حفَّتْ بكَ النُّوَبُ
تنـازعا فيــهِ حُـبُّ العيــشِ يغلبُهُ
فــي راحةِ الموتِ قلبٌ مُفعَمٌ صَلِبُ
تنــاولَ الـقـعـبَ يحسُو ما بداخِلِهِ
مضنىً تنــازِعُهُ الآلامُ والنَّصـبُ
ونــامَ نومـاً عميقــاً واسْتَفَاقَ على
نَضْحِ التَّعرُقِ وانـزاحتْ بـهِ الكُرَبُ
قـدْ قـامَ يمشي ومن أعوام ما وضِعَتْ
خُطـاهُ وازدادَ في مَنْ حولـهُ العَجَبُ
وجــاءَ لُـقمـان يستـفـتيهِ في حِكَمٍ
يـدري الدواءَ ولـــكِنْ عزَّ مُطَّلَبُ
حليبُ بكرةَ من حُمْـرِ الـنيـاقِ وقـدْ
أتُـوهُ قبـلَ غُـداةِ الرَّعْيِ إذ حَلَبُـوا
فـــي جوفِ رقطاءَ في أوصافِهَا عِبرٌ
شـــاءَ الإلهُ وما شـاؤوا ولا رَغِبُوا
يــــا عارفَ الداءِ والعقَّارِ في نِسَبٍ
علـــى مشيئَتِكَ التركيبُ والنِّسَـبُ
يـــاربِ رُحْماكَ إن قدَّرتَ ما عَجِزَتْ
عنهُ البرايـا وضاعَ الحَبــلُ والغَرَبُ
يـــــا فارجَ الهمِّ لُطفاً بي إذا وَقَعَتْ
بِيَ الرَّزايـا وضاقَ السَّـهلُ والهُضُبُ
أرحتَ أيـوبَ مـن داءٍ ألـمَّ بــــهِ
ويونســاً بعدمـا في الحوتِ يرتَعِبُ
قدَّرتَ فـــالطفْ وإلا فالمماتُ رِضَىً
يـــا باقيـاً ويزولُ الدَّهْرُ والحِقَبُ
الشاعر : خالد بشير ذكرى